بعد زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت، بدأت إسرائيل بتكثيف نشاطها العسكري، سعياً منها لفرض تنازلات سياسية على الجانب اللبناني. يبدو أن تل أبيب لم تعد قادرة على تحقيق إنجازات ميدانية، لاسيما بعد فشل جيشها في تحقيق تقدم بري يتيح البناء عليه.

كان من الواضح أن إسرائيل شنت غارات جوية قبل زيارة هوكشتاين، ثم انتقلت عقب الزيارة مباشرة إلى استهداف مناطق تُعتبر محسوبة على “حركة أمل” أكثر من “حزب الله”. وقد فُسر هذا التصعيد على أنه رسالة نارية لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي يتولى التفاوض لوقف إطلاق النار بناءً على تفويض من “حزب الله”.

تشير مصادر سياسية مطلعة، تحدثت إلى “النشرة”، إلى أن إسرائيل سعت مؤخراً للعب على ورقتين استراتيجيتين، في ظل وجود معلومات عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي إلى تل أبيب. الورقة الأولى تتعلق بالتسريبات الصحافية التي تفيد بقرب الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وهو ما يُعد جزءاً من حرب نفسية تلوح معالمها في الفترة القادمة، حيث تُحمل “حزب الله” مسؤولية إفشال الاتفاق قبل الانتخابات الأميركية، رغم معرفة الجميع أن الشروط المفروضة لن يُوافق عليها.

أما الورقة الثانية، فتتمثل في توسيع استخدام ورقة التهجير من خلال تهديد سكان عدة مناطق بإخلاء منازلهم. تضيف المصادر أن الهدف من هذه التهديدات هو الضغط على البيئات اللبنانية المتنوعة، في ظل عجز الحكومة الرسمية عن معالجة هذه الأزمة، مما قد يؤدي إلى حدوث توترات داخلية. بالإضافة إلى ذلك، شنت إسرائيل مجموعة من الضربات الجوية بهدف زيادة مستوى الدمار ورفع تكلفة إعادة الإعمار على لبنان.

يطرح ما سبق تساؤلاً حول قدرة هذه الأوراق على تحقيق الأهداف الإسرائيلية، إذ تسعى تل أبيب إلى الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بشروطها الخاصة، التي يصعب قبولها من قبل “حزب الله”.

تؤكد المصادر السياسية المتابعة أن الشروط المطروحة من قبل إسرائيل لن توافق عليها أي جهة لبنانية معنية بالمفاوضات. بهذا الشكل، لن تتمكن تل أبيب من تحقيق ما تصبو إليه، إلا إذا كان هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو هو الاستمرار في العدوان وليس الوصول إلى حل، وذلك كنموذج لمناورة سياسية مرتبطة بالواقع الإسرائيلي الداخلي لتجنب استمرار الحرب، بالرغم من أن الأمور لم تنضج بعد.

على المستوى اللبناني الداخلي، توضح المصادر أن هناك قلقاً بشأن التوترات الداخلية، وبالتحديد بعدما تم تسجيل أحداث محدودة مؤخراً. ورغم ذلك، يبقى الأساس غياب أي قرار فعلي بتفجير الأوضاع الأمنية الداخلية، على الرغم من احتمال حدوث إشكالات هنا أو هناك. إذ هناك قرار واضح بمنع أي تصعيد، بتكثيف جهود الأجهزة العسكرية والأمنية لمعالجة أي حادثة بسرعة.

في النهاية، تؤكد هذه الأوساط أن إسرائيل لن تتردد في الاستمرار باستخدام تلك الأوراق في الأيام المقبلة، ما لم تحقق مفاوضات وقف إطلاق النار نتائج إيجابية. ومع ذلك، تبرز تداعيات هذه الاستراتيجيات على زيادة معاناة المدنيين، الذين يُجبرون على مغادرة منازلهم، دون القدرة على فرض الشروط السياسية التي ترغب بها تل أبيب. كما أن المطلوب هو الانتباه أكثر إلى مسألة التوترات الداخلية، نظراً لأن خطرها يتفوق على خطر العدوان الإسرائيلي.