خروج لبنان من اللائحة الرمادية يُعتبر مساراً طويلاً وصعباً، حيث يتطلب تنفيذ العديد من الإصلاحات على أكثر من صعيد، أهمها المالي والقضائي. وقد أشار تقرير مجموعة العمل المالي FATF إلى أهمية استقلال القضاء كشرط أساسي لتخفيض تصنيف لبنان.

هذا الكلام يذكّر الجميع بالتحقيقات السابقة التي خاضها القضاة في ملفات فاسدة، حيث تم تهريب مليارات الدولارات إلى خارج البلاد، ومن أبرز هذه الملفات هو ملف اختلاس وتبييض الأموال المتهم فيه حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة. فقد عُزل المحامي العام التمييزي السابق جان طنوس بعدما طلب ملفات من المصارف وواجهت طلبه بالرفض، بينما تم كف يد القاضية غادة عون عن الملفات المتعلقة بنفس القضية. كما شاب جلسة استجواب سلامة علامات استفهام عندما طلبت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل الانضمام، حيث تم رفض طلبها في الوقت الذي تم السماح فيه لممثل البنك المركزي بالحضور.

اليوم، يعاني لبنان من أزمة كبيرة نتيجة تصنيفه كدولة ضمن اللائحة الرمادية، وقد أشارت مجموعة العمل المالي إلى وجود خلل في المحاسبة داخل النظام القضائي. وفي حديث لمصادر قضائية موثوقة مع “النشرة”، تم التأكيد على أن “لبنان يجب أن يعدل القوانين بغية تجنب الوصول إلى اللائحة السوداء”، مشيرةً إلى أن “غياب الأحكام في قضايا تبييض الأموال منذ عام 2005، حيث لم يُحكم إلا على سبعة أو ثمانية حالات فقط، يعد دليلاً على عدم فعالية القوانين الحالية”.

المصادر القضائية أوضحت أن “هيئة التحقيق الخاصة والمدعي العام المالي هما الجهتان المسؤولتان عن التحقيق في تبييض الأموال، إلا أن لبنان أثبت فشله في تقدير القوانين المالية الخاصة بهذا الشأن”، موضحةً ضرورة تعديل القوانين بحيث تكون هيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان تحت إشراف القضاء اللبناني. وأكدت المصادر أن “هناك قضاة يحققون في ملفات تتعلق بتبييض الأموال لكنهم لا يتلقون المعلومات اللازمة من هيئة التحقيق”.

لا تتوقف المصادر عند هذا الحد، بل تدعو إلى تعديل صلاحيات النيابات العامة، مؤكدةً أنه “يتعين إنهاء الحصرية التي يتمتع بها المدعي العام المالي في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتحقيق”. وهنا نؤكد على ضرورة وجود محاسبة شاملة في جميع الدوائر وليس استقلالية تعني احتكار القضاء.

كما تم التطرق إلى قانون السرية المصرفية الذي يعتبر عقبة كبيرة في إصدار أحكام بخصوص قضايا تبييض الأموال، حيث أشارت المصادر إلى حادثة سابقة في عام 2022 حين طالب القاضي جان طنوس المصارف بتسليم كشوفات حسابات رياض ورجا سلامة، وتم استخدام قانون السرية المصرفية كعائق دائماً. وأكدت المصادر أن “عمليات التبييض تتم في الوقت الحالي والمجرمون يستفيدون من هذا القانون”.

على الرغم من أن تحقيق المحاسبة القضائية وإصلاح القوانين قد يبدو عملية معقدة لإخراج لبنان من أزمته ومنع إدراجه على اللائحة السوداء، إلا أن الواضح هو أن البداية تقتضي اقتناع السلطة القضائية والسياسيين بضرورة تغيير النهج القائم، لأن الاستمرار بنفس الأسلوب سيكون غير ممكن.