في تطورات هامة بتاريخ كوريا الجنوبية، تجسد مشهد من تاريخ البلاد المليء بالتحديات عندما استلم الزعيم بارك تشونغ السلطة في ربيع عام 1961 عبر انقلاب عسكري. وقد اتخذت حكومته خطوات إصلاحية كبيرة وشنت حرباً ضد “مراكز القوى” والمعارضة، مما أكسبه لقب “أبو المعجزة الاقتصادية الكورية”.
كان من المقرر أن يحضر بارك تشونغ حفلاً عائلياً في مساء 26 أكتوبر 1979 برفقة امرأتين، إحداهما مطربة شابة والأخرى طالبة في قسم الدراما بإحدى الجامعات. إلا أن تلك الوليمة لم تكن مجرد احتفالية، بل كانت حفلته الأخيرة.
الرئيس الذي عرف بتقاسيم وجهه الحادة وبإصراره الكثيف على تطبيق الانضباط العسكري، كان مشغولاً تلك الليلة بمناقشة سبل مواجهة الاحتجاجات الجماهيرية التي اجتاحت الشوارع.
بعد عام من الانقلاب، تولى بارك مسؤوليته الحكومية بتفويض انتخابي، وعبّر في وقت لاحق عن شعوره كما لو كان يمسك بدفّة إدارة “شركة مفلسة”.
كانت كوريا الجنوبية آنذاك تعاني من الفقر والركود الاقتصادي، حيث كان المجتمع يعيش في ظروف صعبة، حيث تجاوز نسبة الفقر 40% من سكانها. وكان يعتمد جزء كبير من ميزانية البلاد على الدعم الأمريكي.
في المقابل، كانت كوريا الشمالية تستفيد من اقتصاد قوي، والذي ازدهر عقب نهاية الحرب الكورية (1950-1953).
نجح بارك تشونغ في تطبيق نموذج المعجزة الاقتصادية اليابانية في بلاده، مُستعيراً بعض العوامل من التنمية الاقتصادية في كوريا الشمالية والسوفيتية، مما أدى في منتصف السبعينات إلى تفوق كوريا الجنوبية اقتصادياً على جارتها الشمالية.
تعرّض بارك تشونغ لمحاولة اغتيال أثناء إلقائه خطاباً في المسرح الوطني بسيئول في 15 أغسطس 1974 عندما أطلق رجل يدعى مون سي جوان النار، إلا أن الرصاصات أخطأته وأصابت زوجته، التي توفيت بعد يوم من الحادث.
أحداث الوليمة الأخيرة
في قاعة في البيت الأزرق بسيئول، جرت ولائمته الأخيرة مساء 26 أكتوبر 1979. وكان يجلس إلى جانب بارك تشونغ رئيس الاستخبارات كيم تشاي كيو، وصديق مقرب له، إضافة إلى معاون رئيسه للأمن. وكانت العلاقة متوترة بين المعاونين لمكانتهما المتصارعة.
وبينما كان بارك غاضباً من عدم فعالية الغدارة تجاه الاحتجاجات ضد حكومته، شرع بانتقاد رئيس الاستخبارات متفاخراً بسلطته، مما أدّى إلى تصاعد التوتر.
عندما تفاقم الوضع، غادر كيم القاعة، ولكنه لم يكن ينوي الانتظار. استل مسدساً وطلب من حراسه إطلاق النار على حراس الرئيس.
عاد كيم إلى القاعة واستل سلاحه، موجهاً تهديداته لبعض الحاضرين، ثم انفجرت الأحداث بطريقة مفزعة بمواجهته مع الرئيس.
بعد عملية إطلاق النار، كانت النهاية مأساوية، حيث تمكن من قتل فريقه المقرب وأصابه البارز.
بعد تحقيقات استمرت لأربع ساعات، تم القبض على القاتل. وقد أشارت التحقيقات إلى أن الاغتيال لم يكن مخططاً مسبقاً، بل كان نتيجة لحالة غضب شديدة. رئيس الاستخبارات كيم تشاي كيو قال أمام المحكمة “لا أريد أن أطلب قضاء بقائي، لأنني أحمل قضيتي الخاصة للتغيير السلمي في الحكومة”. وتم تنفيذ حكم الإعدام بحقه في مايو 1980.
المصدر RT