في الوقت الذي يتصاعد فيه التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان، تبرز تساؤلات جدية حول استقالة الوزارات والدوائر الرسمية من مسؤولياتها. يبدو أن هذا التخلي يعرض مناعة الوطن، سواء على الصعيد الأمني أو الاجتماعي، للخطر.

تعيش لبنان أزمة حادة، تُعتبر أزمة أخلاقية تتوافق مع الحكمة القائلة “إنما الأُمم الأخلاق ما بقيت، فإن هُم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.

حرب “الغِلّة”

تاريخياً، تبدأ الحروب غالبًا من أوجه بسيطة. وقد شهد لبنان عام 1860 حربًا أهلية نشأت من شجار بين طفلين على “غِلَّة”، وهي عبارة عن طابة بلورية صغيرة يلعب بها الأطفال.

توسعت تلك المنازعة لتصل إلى تدخل الأهل والعشائر، وفي نهاية المطاف أسفرت عن حرب أهلية استمرت لسنوات واستفحلت بشكل كبير.

إشكال “بلس”

في سياق مختلف، تُظهر الأحداث الأخيرة، مثل الإشكال الذي وقع في شارع “بلس” قرب الجامعة الأميركية في بيروت، التوترات بين الحقوق المدنية من جهة، وواجب احتضان النازحين من جهة أخرى. يتطلب علينا أن نُظهر أخلاقنا وواجبنا الإنساني في دعم النازحين بسبب الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان.

من الضروري على الحكومة ولجود إدارة فعالة للأزمات، الجمعيات، والمنظمات الدولية أن تعمل على إيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية، لتفادي انفلات الأوضاع الأمنية والحفاظ على السلم الأهلي.

ترتكب الأخطاء عندما يُعتقد أن كافة الإشكالات الأمنية ناتجة فقط عن النزوح. في الواقع، يتجلى الخلل الأكثر عمقاً في الأخلاق الاجتماعية السائدة. هناك حاجة إلى تحليل الأمور بعناية بدلاً من الحكم السريع.

في حادثة مثيرة، أحد السكان في “ديكَة الحي” بمناطق جديدة المتن، قام بتركيب “شفاط” مياه بعد ارتفاع مشكلة شح المياه بسبب تزايد عدد النازحين والضغوط الأخرى. رغم ذلك، العدد الكافي لعيارات المياه في المبنى لا يلبي احتياجات السكان.

وعندما أُقيمت دعوى ضد هذا الشخص بسبب سرقة المياه، ادعى أنه يتواصل مع شخصية قوية في وزارة الطاقة والمياه لإلغاء الدعوى، مما يعكس حالة الفساد المتفشي.

إن هذه الممارسات تستدعي استنكارًا واسعًا، يتطلب التمسك بالقانون والأخلاق لمكافحة السلوكيات المدانة. إن الفساد المستشري يستغل الأوضاع الصعبة للبلاد ليزيد من معاناتها.

لذلك، يجب على الدولة عدم التخلي عن واجباتها الاجتماعية والقانونية في ظل هذه الظروف الصعبة. لا يمكن أن تتكرر التجارب السابقة لحروب بسيطة تؤدي إلى كوارث أكبر. علينا توخي الحذر والوعي قبل السقوط في أخطاء مميتة.