شهد أحد سكان الولايات المتحدة الأمريكية حادثةً غريبة وصفها في مذكراته قائلاً “استدرت لدى سماع الضوضاء، وفجأة وجدت نفسي محاصراً في تيار سريع أوقعني أرضاً وجعل التنفس مستحيلاً. في محاولتي للبقاء على السطح خلال الغوص، سمعت أصوات المباني المنهارة في مكان بعيد. لم يكن هناك شيء مرئي في الجو، لكن غبارًا كثيفًا حجب الشمس في كل مكان. تغلغل الماء في المنازل المحيطة، حيث توفي العديد من الأشخاص، وكان يُسمع أنين الضحايا في كل مكان”.
هذه الشهادة لم تكن ناجمة عن كارثة طبيعية مثل زلزال أو إعصار، بل كانت ناتجة عن كارثة صُنعت بيد الإنسان، تم وصفها بأنها من أغرب الكوارث التي شهدتها لندن، حيث تسارعت فيها كميات هائلة من الجعة لتغمر المناطق المحيطة
ظهرت الكارثة وكأنها تسونامي حقيقي، حيث اجتاحت موجة من الجعة كل شيء في طريقها، مستهدفة المناطق الفقيرة من المدينة ودمرت الأكواخ البائسة ملئة الشوارع وطوابق المباني السفلية بمشروب من الجعة اللندنية الداكنة الشهيرة.
يعود تاريخ مصنع الجعة المعروف باسم “حدوة الحصان” إلى عام 1764، وكان يقع عند تقاطع طريق توتنهام كورت وشارع أكسفورد في العاصمة البريطانية.
تجدر الإشارة إلى أن صاحب المصنع في عام 1792، جون ستيفنسون، كان يتابع باهتمام بالغ عملية التخمير، وفي يوم من الأيام فقد توازنه وسقط في أحد الأحواض ليلقى حتفه غرقًا.
بعد هذا الحادث المفجع، استحوذ رجل الأعمال والبرلماني البريطاني هنري مو على المصنع. كان مو معروفًا في صناعة الجعة، وقد أضاف العديد من الحانات إلى ممتلكاته في لندن. قام بتطوير تقنية جديدة للتخمير في “حدوة الحصان”، حيث أدخل خليطًا من الجعة الخفيفة مع الجعة الداكنة، باستخدام خزانات كبيرة لتقديم منتج مميز.
ازدهر المصنع في تلك الأوقات وأصبح يعتبر الأكبر في العالم في صناعة الجعة، حتى حل ذلك اليوم المؤلم.
انقطع أحد الأطواق الحديدية التي تحيط بأكبر خزان لتخمير الجعة، الذي كان يحتوي على 610000 لتر منها. اعتقد الميكانيكي أن الأمر لا يستدعي القلق، وغادر المصنع عائدًا إلى منزله. لكن الأمور لم تسر كما كانت من قبل؛ فقد بدأت الكارثة في الانهيار مثل أحجار الدومينو.
تقطعت الأطواق الأخرى تباعًا مع زيادة الحمل، مما أدى إلى انسكاب أطنان من الجعة وخراب خزانات أصغر. تدافعت مليون ونصف لتر من الجعة بغزارة.
وفي لحظات، اخترق السيل الجدار الطيني لمصنع الجعة بشكل مماثل لسدادة زجاجة ممتلئة. اندفعت موجة جعة هائلة، ودمرت منزلين في لحظات، قبل أن تتدفق في الشوارع محطمة واجهات المباني.
للأسف، كانت منطقة طريق توتنهام، حيث يقع المصنع، حيًا فقيرًا يسكنه مهاجرون إيرلنديون يعانون من قلة الحيلة. ملأت الجعة الطوابق السفلية في غمضة عين، تاركة السكان يتفاجؤون بهذه الكارثة. تمكن بعضهم من النجاة والسباحة وسط الجعة، بينما كان حظ الآخرين أقل.
أسفرت الكارثة عن وفاة 9 أشخاص، بينهم خمسة نساء وثلاثة أطفال ورجل واحد. هذا الأخير، الذي توفي بطرق غريبة، لم يُختنق بل مات متسمماً بالجعة؛ إذ أن مهاجرًا إيرلنديًا يبلغ من العمر 37 عامًا غمرته الجعة، مما أدى إلى إصابته بسكتة قلبية.
أُجري التحقيق بالطريقة المعتادة في ذلك الوقت من القرن التاسع عشر، حيث نظر المحققون في أسباب الكارثة وعزوها إلى انقطاع الطوق. ورغم أسئلتهم حول سبب انقطاعه، لم يجدوا تفسيرات سوى الإرادة الإلهية. لم يتم العثور على مذنبين، وأُغلق التحقيق ليُخلد اسم “طوفان الجعة” كأغرب تسونامي من صنع الإنسان في التاريخ.
المصدر RT