ألقى الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، خطابًا ثالثًا أثار الكثير من الانتباه، حيث جاءت العناوين العامة للخطاب مشابهة لتلك التي وردت في الخطابين السابقين. فقد اهتمّ قاسم برفع معنويات مؤيدي الحزب في ظل الإحباط بسبب الضغوط المتكررة، خاصةً بعد اغتيال الأمين العام السيد حسن نصر الله. كما تطرق إلى استيعاب الحزب “للصدمة” واستعادة عافيته، مع تقديم بدائل للقادة الذين تم اغتيالهم حديثًا.

لكن الخطاب هذه المرة جاء بشكل ومضمون مختلفين، إذ كان الارتباك الذي صاحب الإطلالتين السابقتين أقل بشكل ملحوظ. ومع ذلك، فإن المقارنة مع حسن نصر الله قد تكون “غير عادلة”، نظرًا لجاذبيته ومهارته بلغة الخطباء. كما أن الرسائل كانت أكثر وضوحًا، لكن البعض خرج من الخطاب بانطباع مفاده أن الحزب لا يزال متمسكًا بتعزيز التواصل مع جبهة غزة، مستندًا إلى قول الشيخ قاسم بأن “لبنان لا يمكن فصله عن فلسطين”.

تحدث قاسم أيضًا عن “مرحلة جديدة”، مشيرًا إلى الانتقال من “المساندة” التي ميزت المعركة منذ بداية الأحداث في 8 أكتوبر 2023 إلى “المواجهة” التي فرضها العدوان الإسرائيلي. وترافق ذلك مع عنوان “إيلام العدو” في تكتيك جديد يسعى الحزب من خلاله لرسم معالم هذه المرحلة الجديدة، ما قد يؤدي إلى تحقيق حل.

في الوقت ذاته، تشير الرسائل التي يعبر عنها الحزب إلى تخلصه من القيود التي كانت تقيده مؤخراً، وخاصة بعد العملية الأخيرة “بنيامينا” في حيفا. تستمر الضغوط الإسرائيلية، حيث تعرضت النبطية لاعتداءات، وصدرت غارات جديدة على الضاحية الجنوبية بعد توقف دام لأسابيع. فكيف ستنعكس هذه المعادلات الجديدة لحزب الله على الأرض؟ هل يمكن القول إن الحزب غيّر فعلاً استراتيجيته في التعامل مع الحرب؟

يؤكد المراقبون أن الاستنتاج الأبرز الذي يمكن استخلاصه من خطاب الشيخ قاسم هو إدراك الحزب بأنه بات “في زمن الحرب”. وقد واجه الحزب العديد من الانتقادات بسبب تعامله مع العدوان بوصفه مجرد “ضربات موضعية”، في ظل اعتقاده بأن “الحرب الكبرى” لن تقع.

هناك أسباب وراء هذا الاعتقاد، منها افتراض الحزب أن الحرب ليست خيارًا ممكنًا وأن الأمور ستبقى تحت السيطرة. حتى أنه اعتقد أن إسرائيل لن تبدأ الحرب على الرغم من تطورات الأحداث.

من المثير للاهتمام أن الحزب بدا وكأنه لم يكن يرغب في الحرب، رغم تأكيده على استعداده لها. وقد كان يعتقد أن “قوة الردع” التي أنشأها عبر السنوات ستثني الإسرائيليين عن أي مغامرة غير محسوبة حتى بدأت الضغوط العسكرية تتزايد. وعلى الرغم من الضغوط الجديدة، بقي حزب الله أسير مرحلة “الإسناد” حتى لحظة اغتيال أمينه العام.

بالنظر إلى ما سبق، يمكن فهم مجموعة من الرسائل في خطاب قاسم تنصب على التركيز على “المواجهة”، وهو ما يتطلب استراتيجيات جديدة للحرب التي فرضت على الحزب، وسط تساؤلات بشأن تخلّي الحزب عن الضوابط التي ذكرها حسن نصر الله في غير مرة.

في هذا الصدد، نجد أن الحزب يسعى لإرسال رسائل قوية تعكس استعادته لقوته رغم الضغوط الإسرائيلية المستمرة. وتظهر التجربة أنه لا يزال يمتلك أوراق قوة على الصعيدين العسكري والاستخباري، مستعدًا لإيلام العدو.

ويبقى أن نرى هل سيبقى حزب الله منفتحًا على جهود وقف إطلاق النار، أم أنه سيواصل استراتيجيته في مواجهة التحديات، وبالتالي يكون في وضع يمكنه من التفاوض على قاعدة أقوى.

في النهاية، يبدو أن هذه مرحلة جديدة تتطلب رؤية استراتيجية مختلفة. قد يعتبر البعض أن حزب الله وصل إلى هذه القناعة متأخرًا بعد أخطاء تقديرية، إلا أنه يسعى لتكريس واقع ردعي، ما قد يؤدي إلى تغييرات ملحوظة في الساحة السياسية.