تشهد الساحة اللبنانية تصاعدًا في التوترات، حيث يستمر العدوان الإسرائيلي منذ شهر في تنفيذ غارات عنيفة ضد لبنان وحزب الله. هذا التصعيد جاء بشكل لم يكن يتوقعه حتى أكثر المتشائمين، بدءًا من مجازر غير مسبوقة، بالإضافة إلى عمليات اغتيال لقادة الحزب، بما في ذلك أمينه العام حسن نصر الله. واستهدفت الهجمات المتكررة المدنيين في مختلف المناطق اللبنانية، بما في ذلك العاصمة بيروت.
ردًا على هذه الانتهاكات، اتخذ حزب الله نهجًا تصاعديًا في عملياته، مع التركيز في البداية على دعم الفلسطينيين في قطاع غزة. ومع مرور الوقت، أضاف الحزب مبدأ “الدفاع عن لبنان وشعبه”، حيث أطلق مؤخرًا ما أسماها “سلسلة عمليات خيبر”، وذلك ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية، مستندًا إلى نداء “لبّيك يا نصر الله” وفقًا لما ورد في بياناته الرسمية.
وتعتبر العملية الأبرز خلال الأيام الماضية تلك التي وقعت ليل الأحد، حيث استهدفت قوات الحزب معسكر تدريب اللواء غولاني في بنيامينا جنوب حيفا. الهجوم الذي استخدم فيه سرب من الطائرات المسيرة، نجح في اختراق نظام الدفاعات الجوية الإسرائيلية، مما أسفر عن تسجل عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهو ما أقرته الرقابة العسكرية الإسرائيلية.
وضع حزب الله هذه العملية في سياق الرد على المجازر الإسرائيلية الأخيرة في منطقتي النويري والبسطة. أشار الحزب إلى أن المقاومة ستبقى جاهزة للدفاع عن الوطن، مضيفًا أن هذا الهجوم يعكس محاولة لإعادة إحياء معادلات الردع التي نجحت في حماية العاصمة بيروت خلال حرب تموز 2006. ويظل السؤال مطروحًا هل يعيد هذا الهجوم خلط الأوراق في الصراع؟
تحظى عملية بنيامينا بتنوع في القراءات، لكن المؤشرات توضح أنها تمثل هجومًا نوعيًا “الأعنف” في مسار عمليات حزب الله، حيث يظهر التخطيط المدروس وحجم الإصابات، مما يعزز مبدأ أن هذا الهجوم قد يكون “نقطة فاصلة” في قواعد الاشتباك التي التزم بها الحزب رغم الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
يتحدث الخبراء العسكريون عن عدة مؤشرات تدل على أن الهجوم الأخير، والذي يتزامن مع هجمات مركزة على حيفا، ليس مجرد هجوم روتيني بل يمثل نقطة تحول مهمة. وتمكن الحزب من اختراق الرادارات الإسرائيلية عبر تنفيذ عملية مزدوجة، حيث أطلق العشرات من الصواريخ لـ”إشغال” المنظومات الدفاعية قبل أن يطلق الطائرات المسيرة.
في هذا السياق، تؤكد نقاط القوة التي أظهرها حزب الله دقة الاستهداف، حيث أصاب معسكرًا تدريبيًا تابعًا للاحتلال، وهو ما أعاد للعيان قدرات الحزب الاستخباراتية. هذا الهجوم، جاء ردًا على الاعتداءات، ويعزز من مكانة حزب الله ويعيد الحديث عن معادلات الردع التي اعتقد البعض أنها اختفت.
لكن في الغموض الذي يحيط بمسار المعركة، يبقى السؤال هل ستؤدي هذه التطورات إلى تكريس توازن جهود التفاوض أم أن المقاومة ستواجه تصاعداً غير محسوب في ردود الفعل الإسرائيلية؟
يشدد المتخصصون على أن كل السيناريوهات تبقى قائمة، ورغم الشعور بالخوف والتوتر بعد الهجمات، إلا أن المعطيات تشير إلى أن مثل هذه الهجمات ضرورية في إطار المواجهة التي اتسمت بغياب التوازن خلال الأسابيع الماضية. بينما تساؤلات عديدة تعقد حول متى سيستخدم حزب الله ترسانته من الصواريخ الدقيقة.
استنادًا إلى التحليلات، من غير المتوقع أن يكون هذا الهجوم “حاسمًا” في إعادة توجيه بوصلة الحرب. ويرى الخبراء أن “تراكم” هجمات هذا النوع قد يفتح المجالات أمام المفاوضات السياسية، والتي يمكن أن تؤدي إلى تسوية مقبولة من جميع الأطراف.
بالتالي، على الرغم من أن الحديث عن استعادة التوازن لا يزال مبكرًا، وهجوم بنيامينا قد يمثل خطوة نحو استعادة هذا التوازن، يبدو أن القرار في حزب الله يعكس موقفه من الحرب المفروضة عليه، مما قد يكون بداية تحرره من كافة القيود.