تشهد الساحة اللبنانية انقسامًا كبيرًا بين مؤيد للسياسات الأمريكية والغربية ومؤيد للتوجهات الإيرانية والشرقية. إلا أن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها تتعلق بالرغبة الملحة للاحتلال من قبل “الأخ” قبل “العدو”. في الوقت الراهن، يواجه لبنان حربًا شرسة، حيث أبدت إسرائيل بشكل علني رغبتها في احتلال أجزاء من لبنان، مستندة إلى مزاعم دينية وأمنية تتعلق بسكان الشمال. وبينما تشتد المعارك في جنوب لبنان، يعترف الجميع بصعوبة وجود القوات الإسرائيلية لفترات طويلة على الأرض، إلا أن الواقع يشير إلى أن إسرائيل تسيطر على لبنان حتى دون وجود عسكري فعلي. فكيف يمكنها فرض منع الطائرات من الإقلاع من مطار بيروت ومنع التنقل في المياه اللبنانية؟ وكيف تملك القدرة على استهداف القوات الدولية “اليونيفيل” بأسلحتها؟

تؤكد كل هذه العوامل على أن لبنان يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولكن ما الذي يمنحها هذه السلطة؟ الجواب يعود إلى “ميزان القوى” الذي حاولت أمريكا والغرب جعله في صالح إسرائيل. فالسيطرة الجوية الإسرائيلية جاءت بفضل الدعم الخارجي الذي حال دون تسليح لبنان أو سوريا بوسائل دفاع جوي فعالة. كيف يمكن للبنان مواجهة هذا التفوق الجوي عندما تتفاخر إسرائيل بقوتها الجوية القادرة على الوصول إلى جميع الدول المحيطة؟

كان من المتوقع أن تنخفض الهيمنة الإسرائيلية على الأجواء حينما وضعت روسيا موطأ قدم لها في سوريا، ولكن الأحداث الجارية في أوكرانيا شتت اهتمام روسيا عن المنطقة. ما يسمح لإسرائيل بالاستمرار في انتهاك الأجواء السورية دون أي اعتراض من الطائرات أو المنظومات الدفاع الجوية، كمنظومة “اس-400” المتقدمة.

بينما يمكن للصواريخ أن تلحق الأذى بإسرائيل، إلا أن التفوق الجوي يتيح لها “احتلال” الدول المجاورة، وقدرتها على فرض شروطها تبقى مدعومة بتأييد دولي يعزز من قوتها. ولمن ينتظر زوال سيطرة إسرائيل على المنطقة، فإن الوقت لم يحن بعد. تبقى الهيمنة الإسرائيلية في مأمن طالما أن “ميزان القوى” لم يتغير، وفي هذه الأثناء، تستمر إسرائيل في احتلال قرارات الدول بواسطة تفوقها الجوي.