اندلعت الحرب الهمجية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على لبنان منذ 23 سبتمبر 2024، وذلك تحت ذريعة عودة المستوطنين إلى مستوطنات الشمال. وقد أدت هذه الحرب، التي تهدف إلى إيقاف ضربات المقاومة الإسلامية على الشمال الإسرائيلي، إلى فصل المسار الغزاوي عن المسار اللبناني. ومع مرور الأيام، تطورت الأهداف الإسرائيلية لتتجه نحو القضاء على حزب الله، وهو ما تم الإعداد له مسبقاً من خلال سلسلة من التفجيرات واستخدام التقنيات اللاسلكية قبل الحرب. وقد شهدت الفترة الماضية اغتيال عدد كبير من القادة العسكريين من الصف الأول للمقاومة، بما في ذلك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وعدد من الشخصيات القيادية مثل الشيخ نبيل قاووق. ولتبرير الضغوط العسكرية، زعمت إسرائيل تدمير منصات الصواريخ ومخازن الأسلحة التابعة للحزب، مما أدى إلى استمرار القصف اليومي لمناطق الجنوب والبقاع والضاحية.

ورغم الأهداف العلنية، هناك أهداف مبطنة تعود جذورها إلى خطط قديمة مثل مشروع شيمون بيريز عام 1994، والتي تهدف إلى توسيع السيطرة الإسرائيلية نحو سيناء والأردن وجنوب لبنان، كخطوة لتحقيق “إسرائيل الكبرى”. يُخشى من أن هذه الأهداف قد تؤدي إلى تهجير الجنوبيين، ولربما ترحيلهم (ترانسفير) إلى العراق، خاصة مع التسهيلات الغير عادية للسفر بدون جواز سفر. حيث لم يتجاوز عدد النازحين اللبنانيين الخمسة آلاف شخص حتى الآن، مما يتطلب شكر العراق ومؤسساته الدينية، على الرغم من وجود قوى تدفع نحو الهجرة.

ومع ذلك، تظل هناك ضمانات تاريخية تدعم التنوع في لبنان، والذي لن يتغير لونه تلقائيًا. لم يستطع العثمانيون تهجير الشيعة رغم المجازر، ولم يتمكن الفلسطينيون من تهجير المسيحيين في بدايات أحداث لبنان عام 1975. وقد كان الإمام السيد موسى الصدر، رمز الوحدة والتعايش، له دور بارز في دعم المسيحيين. ويعتقد البعض أن خطة الترحيل الشيعي إلى العراق قد تكون واردة، مستغلة الظروف الحالية.

إلا أن التعددية اللبنانية التاريخية تمنع تحقيق هذه الأهداف. فالسنة في لبنان لن يقبلوا بكسر القوة الإسلامية المستمدة من الشيعة لمواجهة التهديدات الإسرائيلية، كما أن الدروز لن يتخلوا عن حليفهم الأقوى. وتتطلب هذه الظروف تحركاً من الجولان لتأثير القيادة الإسرائيلية في منع تهجير الشيعة، بالإضافة إلى أهمية الحفاظ على الوجود المسيحي. إذ أن التنوع في لبنان يشكل ثروة يجب التمسك بها، ويعتبر تعزيز الروابط مع القيادات الأوروبية والبابا في روما عامل ضمان إضافي في مواجهة التحديات.

في ختام الأمر، رغم تباين وجهات النظر حول الفيدرالية والستراتيجية الدفاعية، لا يمكن لأحد البقاء مكتوف الأيدي تجاه تهجير أي من الطوائف التي تساهم في وجود لبنان وتحمي هويته المميزة.